النّبي صلىاللهعليهوسلم : «ويحك قطعت عنق صاحبك ـ يقوله مرارا ـ إن كان أحدكم مادحا لا محالة ، فليقل : أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك ، وحسيبه الله ، ولا يزكّي على الله أحدا». وفي حديث آخر : «قطعتم ظهر الرجل» حين وصفوه بما ليس فيه.
وعلى هذا تأوّل العلماء قوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة : «احثوا التراب في وجوه المدّاحين» : أن المراد بهم المداحون في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم ، حتى يجعلوا ذلك بضاعة يفتنون به الممدوح.
أما مدح الرجل بما فيه من الفعل الحسن والأمر المحمود ، ليكون منه ترغيبا له في أمثاله ، وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه ، فليس بمدّاح ، وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول فيه. وهذا راجع إلى النّيّات ، وقال الله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة ٢ / ٢٢٠]. وقد مدح صلىاللهعليهوسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ، ولم يحث في وجوه المدّاحين التراب ، ولا أمر بذلك ، كقول أبي طالب :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى ، عصمة للأرامل |
وكمدح العباس وحسّان له في شعرهما ، ومدح كعب بن زهير.
ومدح هو أيضا أصحابه فقال : «إنكم لتقلّون عند الطمع ، وتكثرون عند الفزع».
وأما قوله صلىاللهعليهوسلم في صحيح الحديث : «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، وقولوا : عبد الله ورسوله» فمعناه لا تصفوني بما ليس فيّ من الصفات ، تلتمسون بذلك مدحي ، كما وصف النصارى عيسى بما لم يكن فيه ، فنسبوه إلى أنه ابن الله ، فكفروا بذلك وضلّوا.