أعرض وظلّ على كفره ، فلا تعجب يا محمد من موقف قومك ، فهذه حال الأمم مع أنبيائهم. وفي هذا تسلية للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، ليشتد صبره على أذى قومه ، ولا ييأس من إيمانهم. وفي رأي القرطبي : أن الضمير في قوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) يعني بالنّبي صلىاللهعليهوسلم. (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أعرض فلم يؤمن به. وقيل : الضمير راجع إلى إبراهيم ، وقيل : يرجع إلى الكتاب.
وإن لم يصبهم عذاب في الدنيا ، فكفاهم عذاب جهنم في النار المسعّرة الشديدة اللظى ، وبئس المصير ، ولكن ذلك بسبب اتّباعهم الباطل وإعراضهم عن الحق.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلّت الآيات على ما يأتي :
١ ـ المنع من تزكية الإنسان نفسه : فإن المزكّي نفسه بلسانه يغضّ من قدر نفسه ، ولا عبرة بتزكية الإنسان نفسه ، وإنما العبرة بتزكية الله له ، وقد نهى الله صراحة عن ذلك بقوله : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) [النجم ٥٣ / ٣٢]. وكذلك نهى النّبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، جاء في صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : سمّيت ابنتي برّة ، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عن هذا الاسم ، وسمّيت برّة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تزكّوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البرّ منكم» فقالوا : بم نسمّيها؟ فقال : «سمّوها زينب».
وكذلك نهى النّبي صلىاللهعليهوسلم عن الإفراط في مدح الرجل بما ليس فيه ، فيدخله بسببه الإعجاب والكبر ، ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة ، فيحمله ذلك على تضييع العمل ، وترك الازدياد من الفضل. ثبت في البخاري من حديث أبي بكرة أنّ رجلا ذكر عند النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فأثنى عليه رجل خيرا ، فقال