على حبّ الذّات وحبّ المادّة والغرور الكاذب والشّح ، فلا يعطون الناس مقدار النقير (النقرة في ظهر النواة) والملك يحتاج إلى الترفع عن كل ذلك ، وإلى كسب الأعوان بالبذل والسخاء ، وقضاء حوائج الآخرين ، والسمو عن الماديات ، وحبّ الناس.
ثم وبّخهم الله تعالى على الحسد الذي هو أسوأ من البخل ، فهم يتمنون أن يكون الخير كله بأيديهم ، ويريدون قصر فضل الله عليهم ، ولا يحبّون أن يكون لأمة فضل مما لهم ، فهم جماعة يحبون ذواتهم (أنانيّون) حاقدون حاسدون. لذا حسدوا محمدا صلىاللهعليهوسلم على ما آتاه الله من فضل النّبوة والعلم ، وزعامة الدولة ورئاسة الحكم ، وكثرة الأعوان والأنصار.
ثم بيّن الله تعالى ما يدفع ذلك الحسد ، ويقلل من أهمية الأشياء التي حسدوا عليها محمدا ، فهم إن يحسدوه على ما أوتي ، فقد أخطئوا ؛ إذ له نظائر وأمثال كثيرة وهي أنه تعالى آتى مثل هذا لآل إبراهيم ، والعرب منهم ؛ لأنهم من ذرية ولده إسماعيل ، وآتاهم الله الكتاب الإلهي المشتمل على تشريع الأحكام ، والحكمة التي هي فهم أسرار التشريع ، والملك العظيم في أبنائه وذريته.
وفي هذا إشارة إلى أنه سيكون للمسلمين بزعامة نبيّهم ملك عظيم ، بالإضافة إلى النّبوة والقرآن والحكمة ، وقد بدأت تباشير القوة في المدينة شيئا فشيئا.
والخلاصة : إن اليهود قوم مغرورون مخدوعون يظنون أن فضل الله مقصور عليهم ، ورحمته لا تتعداهم ، ولا يستحقها غيرهم ، وهم واهمون سطحيون يحسبون أن ملك الدنيا بأيديهم ، وحاسدون العرب على ظهور نبي آخر الزمان فيهم ، وعلى ما أعطاهم الله من الكتاب والحكمة.
وأولئك الأنبياء المتقدمون كإبراهيم وذريته بالرغم من اختصاصهم بالنّبوة وإيتائهم الملك ، لم تؤمن أممهم جميعا برسالتهم ، بل منهم من آمن بهم ، ومنهم من