هو المدبّر للأشياء على وفق الحكمة والصواب. (مُطَهَّرَةٌ) من العيوب والأدناس الحسية كالحيض والمعنوية. (خالِدِينَ) دائمين. (ظِلًّا ظَلِيلاً) ظلّا وارفا دائما لا تنسخه شمس ولا يصحبه حرّ ولا برد ، وهو ظلّ الجنّة. وهذه صيغة مبالغة وتأكيد ، مثل قولهم : ليل أليل. وقد يعبر بالظل عن العزة والنعمة والرفاهية ، فيقال : «السلطان ظل الله في أرضه».
المناسبة :
هذا جزاء الفريقين : المؤمنين والكفار ، الذين أشارت إليهم الآية السابقة بأن بعض الناس صدّق بالأنبياء ، وبعضهم الآخر أعرض عن اتّباع الحق.
التفسير والبيان :
إن الذين كفروا بآياتنا المنزلة على أنبيائنا ، وبخاصة القرآن الذي هو خاتم الكتب الإلهية وأكملها وأبينها ، سوف نحرقهم بالنار ، ثم أخبر الله تعالى عن دوام عقوبتهم ونكالهم فقال : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) أي كلما احترقت جلودهم ، حتى لم تعد صالحة لنقل الإحساس بالألم إلى الدماغ في مركز الشعور ، بدّلناهم جلودا أخرى حيّة تشعر بالألم وتحسّ بالعذاب ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تبدّل جلودهم كلّ يوم سبع مرات».
والسبب هو أن يذوقوا العذاب ، أي يدوم لهم ذوقه ولا ينقطع ، كقولك للعزيز : أعزّك الله ، أي أدامك على عزك وزادك فيه ، وهذا مثل قوله تعالى : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء ١٧ / ٩٧].
ثم أكّد الله تعالى علّة العقاب وبيّن مدى القدرة عليه ، فذكر أنه تعالى عزيز قادر لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين ، حكيم لا يعذب إلا بعدل ، ولا يعاقب إلا على وفق الحكمة. ومن مقتضيات العدل : أن الكفر والمعاصي سبب للعذاب أو العقاب ، وأن الإيمان والعمل الصالح سبب للنعيم والجنة ، فلكل عمل ما يناسبه ، لذا قرن ثواب المؤمن بجزاء الكافر ، لإظهار الفرق بينهما.