ثم أمر الله نبيّه بردّ شبهتهم قائلا (قُلْ : مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ ..) أي : إن طلبكم التأخير وقعودكم عن القتال خشية الموت ناشئ من الرغبة في متاع الدّنيا ولذّاتها ، مع أن كلّ ما يتمتع به في الدّنيا زائل وقليل بالنسبة إلى متاع الآخرة ، وآخرة المتّقي خير من دنياه ؛ لأن نعيم الدّنيا محدود فان ، ومتاع الآخرة كثير باق لا كدر فيه ولا تعب ، ولا يناله إلا من اتّقى الله ، فامتثل ما أمره الله به ، واجتنب ما نهى الله عنه ، وستحاسبون على كلّ شيء.
ولا تنقصون شيئا مهما قلّ كالفتيل (ما يكون في شقّ نواة التمر كالخيط) من أعمالكم ، بل توفونها أتمّ الجزاء. وهذا تسلية لهم عن الدّنيا ، وترغيب لهم في الآخرة ، وتحريض لهم على الجهاد.
وإن الموت أمر محتم لا مفرّ منه ، وأنتم صائرون إلى الموت لا محالة ، ولا ينجو منه أحد ولو كان في قصر محصن منيع مرتفع مشيد ، فملك الموت لا تحجزه حواجز ولا تعوقه عوائق ، كما قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران ٣ / ١٨٥] ، وقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن ٥٥ / ٢٦] ، وقوله : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) [الأنبياء ٢١ / ٣٤]. وإذا كان الموت مصير الخلائق جميعهم ، وفي أجل محدود لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون ، فلا خشية من الجهاد ، فسواء جاهد الإنسان أو لم يجاهد ، فإن له أجلا محتوما ومقاما مقسوما ، كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه : «لقد شهدت كذا وكذا موقفا ، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية ، وها أنا أموت على فراشي ، فلا نامت أعين الجبناء». وكم من محارب نجا ، وقاعد على فراشه عن الحرب مات حتف أنفه.
ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يتعجب منه بسبب مقالة أولئك المنافقين ، فإذا أصابتهم حسنة من غنيمة أو خصب أو رزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك ،