قتال المشركين في مكة ، فلما فرض عليهم القتال ، كرهه المنافقون والضعفاء ، فوبّخهم الله على ذلك الموقف المتناقض.
التفسير والبيان :
كان المؤمنون في مكة مأمورين بالصلاة والزكاة ومواساة الفقراء ، وبالصفح والعفو عن المشركين ، وكانوا يودّون الإذن لهم بالقتال ليثأروا من أعدائهم ، ولم يكن الحال مناسبا لذاك لأسباب كثيرة منها : قلّة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ، ومنها كونهم في بلد حرام وأشرف بقاع الأرض ، فلهذا لم يؤمروا بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار. ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودّونه جزع بعضهم منه ، وخافوا من مواجهة الناس خوفا شديدا ، فقصّ الله علينا قصّتهم.
ألم تنظر إلى أولئك الذين قيل لهم في مكة في ابتداء الإسلام : التزموا السلم وامنعوا أيديكم وأنفسكم عن الحروب الجاهلية ، وأدّوا الصلاة بخشوع مقوّمة تامة الأركان ، وأدّوا الزكاة التي تؤدي إلى التراحم بين الخلق ، وكانوا في الجاهلية يشنون الحروب لأتفه الأسباب ، وتطفح قلوبهم بالأحقاد ، ولكن حين فرض عليهم القتال في المدينة ، كرهه جماعة وهم المنافقون والضعفاء ، وخافوا أن يقاتلهم الكفار ويقتلوهم ، كخوفهم من إنزال عذاب الله وبأسه بهم ، بل أشدّ خوفا من الله تعالى.
وحكى الله تعالى قولهم لشدة هلعهم وخوفهم من القتال وقالوا : ربّنا لم فرضت علينا القتال ، لو لا تركتنا نموت موتا طبيعيّا ، ولو بعد أجل قريب ، ولو لا أخرت فرض القتال إلى مدّة أخرى ، فإن في القتال سفك الدماء ، ويتم الأولاد ، وتأيم النساء. وهذا كقوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا : لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ ، وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) [محمد ٤٧ / ٢٠].