ويرى الجمهور أنه تقبل توبة القاتل عمدا ، لقوله تعالى : (قُلْ : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر ٣٩ / ٥٣] ، وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك ، وشك ونفاق ، وقتل وفسق وغير ذلك ، فكل من تاب تاب الله عليه. وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء ٤ / ٤٨] وهذه عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك.
وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ، ثم سأل عالما : هل لي من توبة؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه ، فهاجر إليه ، فمات في الطريق ، فقبضته ملائكة الرحمة. وإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون قبول التوبة في هذه الأمة بطريق الأولى والأحرى ؛ لأن الله وضع عنّا الآصار والأغلال التي كانت عليهم ، وبعث نبيّنا بالحنيفية السمحة.
ولأن الكفر أعظم من القتل ، والتوبة عنه تقبل ، فتقبل عن القتل بالأولى ، ثم إن آية الفرقان تدلّ على قبول توبته وهي قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلا يَزْنُونَ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ، إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) [الآيات ٦٨ ـ ٧٠].
فأما الآية الكريمة : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ..) فقال أبو هريرة وجماعة من السّلف : هذا جزاؤه إن جازاه. وعليه يحمل كل وعيد على ذنب ، وقد يكون له أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه على قول أصحاب الموازنة ، أي وزن الحسنات والسيئات.
وعلى قول الجمهور حيث لا عمل له صالحا ينجو به ، فليس بمخلد أبدا ، بل الخلود هو المكث الطويل ، لا الدوام ، وقد تواترت الأحاديث عن