دينه ، أو علم أنه في غير بلده يكون أقوم بحق الله وأدوم على العبادة ، حقت عليه المهاجرة. فإن كان يستطيع إقامة شعائر دينه كالمقيمين في عصرنا في أوربا وأمريكا ، فلا تجب الهجرة عليهم ، وإنما تسن ، ويكره مقامهم في دار الكفر.
عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض ، وإن كان شبرا من الأرض ، استوجبت له الجنة ، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام. اللهم إن كنت تعلم أن هجرتي إليك لم تكن إلا للفرار بديني ، فاجعلها سببا في خاتمة الخير ، ودرك المرجوّ من فضلك ، والمبتغى من رحمتك ، وصل جواري لك بعكوفي عند بيتك بجوارك في دار كرامتك ، يا واسع المغفرة» (١).
فإن أولئك المقصرين عن القيام بالهجرة مسكنهم جهنم ، لتركهم ما كان مفروضا عليهم ؛ لأن الهجرة كانت واجبة في صدر الإسلام.
وقبحت جهنم مصيرا لهم ؛ لأن كل ما فيها يسوءهم.
ثم استثنى الله تعالى من أهل الوعيد : المستضعفين حقيقة الذين لا يجدون لديهم قدرة على الخروج لفقرهم أو عجزهم أو هرمهم مثل عياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام (٢) ، ومن النساء أم الفضل والدة ابن عباس ، ومن الولدان (وهم المراهقون الذين قاربوا البلوغ) ابن عباس المذكور وغيره.
فهؤلاء لا يجدون قدرة على الهجرة إما للعجز كمرض أو زمانة ، وإما للفقر ، ولا يهتدون طريقا للجهل بمسالك الأرض ، قال ابن عباس : كنت أنا وأمي من
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٤١٩
(٢) ذكر ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رفع يده بعد ما سلم وهو مستقبل القبلة ، فقال : «اللهم خلص الوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام ، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا ، من أيدي الكفار».