وقال العلماء : إن طعمة وقومه كانوا منافقين ، وإلا لما طلبوا من الرسول إلصاق تهمة السرقة باليهودي على سبيل التخرص والبهتان ، بدليل قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ، وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).
التفسير والبيان :
أمر الله تعالى رسوله أن يقضي بين الناس بالحق والعدل دون محاباة أحد ، ولا إلحاق ظلم بأحد ولو كان غير مسلم ، فقال له : إنا أنزلنا إليك هذا القرآن بالحق في خبره وطلبه وحكمه بتحقيق الحق وبيانه ، لأجل أن تحكم بين الناس بما أوحى إليك وأعلمك من الأحكام ، فتقضي بالوحي إن وجد ، أو تقضي بالاجتهاد إن لم يوجد وحي صريح ؛ فاحكم بين الناس بشريعة الله ، ولا تكن لمن خان نفسه مخاصما ومدافعا تدافع عنه ، وترد من طالبه بالحق ، أي لا تتهاون في تحري الحق تأثرا بقوة جدل خصم في الخصومة.
وفي هذا دلالة ـ كما ذكر علماء الأصول ـ على أنه كان للنبي صلىاللهعليهوسلم أن يحكم بالاجتهاد ، بهذه الآية ، وبما ثبت في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته ، فخرج إليهم فقال : «ألا إنما أنا بشر ، وإنما أقضي بنحو مما أسمع ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم ، فإنما هي قطعة من النار ، فليحملها أو ليذرها».
وفي رواية الإمام أحمد عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مواريث بينهما قد درست (١) ، ليس عندهما بينة ، فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «إنكم تختصمون إليّ ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق
__________________
(١) درس الرسم : عفا.