أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السّدّي قال : التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى ، فقال اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ، ديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن على دين إبراهيم ، ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى مثل ذلك ، فقال المسلمون : كتابنا بعد كتابكم ، ونبينا بعد نبيكم ، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا ، فأنزل الله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) الآية فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان الأخرى. وذكر مثله عن قتادة.
التفسير والبيان :
ليس الأمر منوطا بالأماني منكم أيها المسلمون ، ولا أنتم أهل الكتاب ، ولكن الجزاء منوط بالعمل ، فليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني ، بل العبرة بطاعة الله عزوجل واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام ، أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن موقوفا : «ليس الإيمان التمني ، لكن ما وقر في القلب ، وصدّقه العمل» وقال الحسن : «إن قوما غرّتهم المغفرة ، فخرجوا من الدنيا وهم مملوؤون بالذنوب ، ولو صدقوا لأحسنوا العمل».
فمن يعمل سوءا يلق جزاءه ؛ لأن الجزاء أثر للعمل ، مثل قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة ٩٩ / ٨] ، روى الإمام أحمد عن أبي بكر بن زهير قال : أخبرت أن أبا بكر رضياللهعنه قال : يا رسول الله ، كيف الفلاح بعد هذه الآية : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) فكل سوء عملنا جزينا به ؛ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض ، ألست تنصب ـ تتعب ، ألست تحزن ، ألست تصيبك اللأواء ـ الشدة؟» قال : بلى ، قال : «فهو مما تجزون به».