مراعاة لحق الصحبة ، وتحسنوا المعاشرة فيما بينكم ؛ وتتقوا النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة ، فإن الله كان بما تعملون من الإحسان والتقوى خبيرا عليما لا يخفى عليه شيء ، فيجازيكم ويثيبكم عليه.
كان عمران بن حطّان الخارجي من أدمّ بني آدم ، وامرأته من أجملهم ، فأجالت في وجهه نظرها يوما ، ثم تابعت : الحمد لله ، فقال : ما لك؟ قالت : حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة ، قال : كيف؟ قالت : لأنك رزقت مثلي فشكرت ، ورزقت مثلك فصبرت ، وقد وعد الله الجنة عباده الشاكرين والصابرين (١).
ثم بين الله تعالى أن تمام العدل وكماله وغايته في معاملة النساء محال ، فخفف الله التكليف بالعدل التام ، وطالب الرجال بقدر الاستطاعة ، فقال :
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) لأن العدل في المعاملة يشمل أمورا مادية وغير مادية ، أما المادية فهي كالمبيت والنفقة والكسوة ، وأما غير المادية فهي كالحب والميل وغير ذلك مما يرجع إلى الشعور النفسي ، وأحاسيس النفس يصعب كبحها.
فكلف الله ما يستطيعه الرجال وهو العدل المادي ، ورفع عنهم الحرج فيما لا يستطيعونه من الحب والاشتهاء وأحوال الجبلّة البشرية ، كما هو الشأن في سائر التكاليف ، فإن الحب والبغض ونحوهما لسنا مكلفين به.
ولكن الله جعل التكليف بالمستطاع في معاملة النساء مشروطا بأن يبذلوا ما فيه ولوسعهم وطاقتهم ؛ لأن تكليف ما لا يستطاع داخل في حد الظلم ، وما ربك بظلام للعبيد.
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٤٢٨