فيكثر منها النشوز لأتفه الأسباب ، ثم إن للرجل حقّ مفارقة المرأة بالطلاق دون العكس ، فلا يكون لها سبيل عليه إذا بدت منه أمارات الفرقة وعلامات الكراهية.
ودلّ قوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) على أن أنواع الصّلح كلها مباحة في هذه المسألة بإعطاء أحدهما للآخر مالا ، أو بتنازل المرأة عن حقّها في المبيت مطلقا أو لمدة معينة أو لفترة طويلة. بل إن الآية تدلّ على جواز الصّلح في غير أحوال النزاع بين الزوجين إلا ما خصّه الدّليل ، وهو يدلّ على جواز الصّلح عن إنكار والصّلح من المجهول ، كما قال الجصاص (١) ؛ لأن وقوع الجملة اعتراضا وجريانها مجرى الأمثال ، مما يرجّح كون اللفظ عاما. وقال القرطبي أيضا : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) لفظ عام مطلق يقتضي أن الصّلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق. ويدخل في هذا المعنى الصّلح بين الرّجل وامرأته في مال أو وطء أو غير ذلك (٢).
وأخبر الله تعالى بقوله : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) بأن الشّحّ في كلّ أحد ، وأن الإنسان لا بدّ أن يشحّ بحكم خلقته وجبلّته ، حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره. والشّح إذا أدّى إلى منع الحقوق الشرعية أو التي تقتضيها المروءة فهو البخل وهي رذيلة.
ودلّ قوله تعالى : (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا) وهو خطاب للأزواج على أن للزوج أن يشحّ ولا يحسن ، أي إن تحسنوا وتتّقوا في عشرة النساء بإقامتكم عليهنّ مع كراهيتكم لصحبتهنّ واتّقاء ظلمهنّ فهو أفضل لكم.
أما العدل المرفوع من دائرة التكاليف فهو الذي لا يخضع لسلطة الإنسان
__________________
(١) أحكام القرآن : ١ / ٢٨٣
(٢) تفسير القرطبي : ٥ / ٤٠٦