التفسير والبيان :
ينهى الله تعالى كل واحد من المؤمنين عن أكل مال غيره بالباطل ، وعن أكل مال نفسه بالباطل ؛ لأن قوله تعالى : (أَمْوالَكُمْ) يقع على مال نفسه ومال غيره ، فكل الأموال هي للأمة ، وأكل مال نفسه بالباطل : إنفاقه في المعاصي ، وأكل مال غيره بالباطل أي بأنواع المكاسب غير المشروعة كالرّبا والقمار والغصب والبخس ، فالباطل : ما يخالف الشرع. وقال ابن عباس والحسن البصري : هو أن يأكل بغير عوض ، فالباطل : ما يؤخذ بغير عوض.
ويشمل الأكل بالباطل : كل ما يؤخذ عوضا عن العقود الفاسدة أو الباطلة ، كبيع ما لا يملك ، وثمن المأكول الفاسد غير المنتفع به كالجوز والبيض والبطيخ ، وثمن ما لا قيمة له ولا ينتفع به كالقردة والخنازير والذباب والزنابير والميتة والخمر وأجر النائحة وآلة اللهو.
فمن باع بيعا فاسدا وأخذ ثمنه ، كان ثمنه حراما خبيثا وعليه ردّه.
وإذا لم يجز أكل المال بالباطل وهو غير المشروع والمأخوذ من عين أو منفعة ظلما من غير مقابل ، فيجوز أخذه بالتراضي الذي يقرّه الشرع ، لذا قال الله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي ولكن كلوا الأموال بالتجارة القائمة على التراضي ضمن حدود الشرع ، والتجارة تشمل عقود المعاوضات المقصود بها الربح ، وخصّها بالذّكر من بين أسباب الملك لكونها أغلب وقوعا في الحياة العملية ، ولأنها من أطيب وأشرف المكاسب ، وأخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أطيب الكسب : كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا ، وإذا اشتروا لم يذموا ، وإذا باعوا لم يمدحوا ، وإذا كان عليهم لم يمطلوا ، وإذا كان لهم لم يعسروا».