وليس كلّ تراض معترفا به شرعا ، وإنما يجب أن يكون التراضي ضمن حدود الشرع ، فالرّبا المأخوذ عن بيع فيه تفاضل أو بسبب قرض جرّ نفعا ، والقمار والرّهان وإن تراضى عليه الطّرفان حرام لا يحلّ شرعا.
وقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) معناه في الظاهر النهي عن قتل المؤمن نفسه في حال غضب أو ضجر (وهو الانتحار) ، كقوله صلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة ـ : «من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم ، خالدا مخلدا فيها أبدا».
ولكن اتفق جمهور المفسرين على أن معناه : لا يقتل بعضكم بعضا ، وإنما قال : (أَنْفُسَكُمْ) مبالغة في الزّجر ، كما قال في الأموال : (أَمْوالَكُمْ). جاء في الحديث : «المؤمنون كالنفس الواحدة» (١). ولا مانع أن تكون الآية نهيا عن قتل الإنسان نفسه وعن قتل الآخرين ، وعن كلّ ما يؤدي إلى الموت كتناول المخدرات والسموم الضارة والمجازفة في المهالك.
والسبب في إيراد هذه الآية هنا في مجال الكلام عن المعاملات المالية : أنه لما كان المال شقيق الروح من حيث إنه سبب قوامها وبه صلاحها ، حسن الجمع بين التوصية بحفظ المال والتوصية بحفظ النفس.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) تعليل للنهي السابق ، أي إنما ينهاكم عن أكل الحرام وإهلاك الأنفس ؛ لأنه لم يزل بكم رحيما.
ومما يدلّ على حرمة المجازفة بالنفس في المهالك قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة ٢ / ١٩٥] ، وما أخرجه أحمد وأبو داود عن عمرو بن العاص رضياللهعنه أنه قال:
__________________
(١) نص الحديث : «المؤمنون كرجل واحد ، إن اشتكى رأسه اشتكى كله ، وإن اشتكى عينه اشتكى كله» رواه أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير.