فيما رواه مسلم عن زيد بن خالد الجهني صلىاللهعليهوسلم : «ألا أخبركم بخير الشهداء : هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها.
وإن تلووا أو تعرضوا فالله خبير بأعمالكم ، وسيجازيكم بذلك. وعبر بالخبير ولم يعبر بالعليم ؛ لأن الخبرة العلم بدقائق الأمور وخفاياها ، والشهادة يكثر فيها الغش والاحتيال واللف والدوران. فليحذر المخالفون.
ثم أمر الله بالإيمان به وبرسوله وبالكتب التي أنزلها ، فإن كان هذا خطابا للمؤمنين فمعناه اثبتوا على ذلك وداوموا واستمروا عليه ، كما يقول المؤمن في كل صلاة : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة ١ / ٦] أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه ، وكما قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) [الحديد ٥٧ / ٢٨]. وهذا رأي ابن كثير والقرطبي (١). وقوله : (وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) يعني القرآن ، (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة.
وإن كان الخطاب لمؤمني أهل الكتاب فيراد به الأمر بالإيمان بالنبي محمد وبالقرآن ، كالأنبياء السابقين والكتب المنزلة قبل القرآن. فقد روي أن هذا خطاب لمؤمني اليهود. قال ابن عباس وكذا الكلبي : «إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام ، وأسد وأسيد ابني كعب ، وثعلبة بن قيس ، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ، ويامين بن يامين ، إذ أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير ، ونكفر بما سوى ذلك من الكتب والرسل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بل آمنوا بالله ورسوله وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله ، فقالوا : لا نفعل ، فنزلت ، قال : فآمنوا كلهم» (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٥٦٦ ، تفسير القرطبي : ٥ / ٤١٥
(٢) الكشاف : ١ / ٤٣٠ ، أسباب النزول للواحدي : ص ١٠٦