وقال في القرآن : (نَزَّلَ) لأنه نزل مفرقا منجما على الوقائع بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم ، وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملة واحدة ، ولهذا قال تعالى : (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ).
ثم توعد الله من كفر بعد الأمر بالإيمان فذكر :
ومن يكفر بالله أو بملائكته أو ببعض كتبه أو رسله ، أو اليوم الآخر ، فقد ضل أي خرج عن طريق الهدى والحق ، وبعد عن المطلوب كل البعد.
ومن فرّق بين كتب الله ورسله ، فآمن ببعض وكفر ببعض كاليهود والنصارى فلا يعتد بإيمانه ولا يعترف به لأن الكفر بكتاب أو برسول كفر بالكل ، ولو آمن إيمانا صحيحا بنبيه وكتابه كما كفر بمحمد المبشر به عندهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
تضمنت الآيات أصول الحكم أو القضاء بين الناس على أساس من العدل ، وأداء الشهادة بالحق ، وأصول التدين والإيمان الصحيح بالتصديق بجميع أنبياء الله ورسله الكرام ، دون تفرقة بين أحد من رسل الله.
أما الآية الأولى فهي آمرة أمرا صريحا قاطعا بشيئين :
الأول ـ المبالغة في إقامة العدل والتعاون فيه دون تهيب ولا انحراف ولا تردد في القضاء به ؛ إذ بالعدل قامت السموات والأرض. ولقد كان السلف الصالح مضرب المثل في التزام شريعة العدل في كل الأقضية حتى مع الأعداء ، ولو كان المسلمون هم المقضي عليهم ، ولهم في ذلك روائع الأمثال والقصص ، منها : أن عبد الله بن رواحة ، لما بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم ، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم ، فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ، ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير ، وما يحملني حبي إياه ، وبغضي