ثم نهى الله المؤمنين جميعا سواء كانوا صادقي الإيمان أو متظاهرين به وهم المنافقون عن الجلوس في مجالس الكافرين الذين يستهزئون بآيات الله ، فلا تسمعوا لهؤلاء ولا تقعدوا معهم حتى يتكلموا في حديث آخر ، فإنكم إن قعدتم معهم ، كنتم شركاء لهم في الكفر ؛ لرضاكم بكلامهم. وهذا مثل قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [الأنعام ٦ / ٦٨] وسبب النهي أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم ، فيستهزءون به ، فنهي المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه. وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين ، فنهوا أن يقعدوا معهم ، كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة ، وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون ، فقيل لهم : إنكم إذا مثل الأحبار في الكفر.
وفي هذا إيماء إلى أن الساكت عن المنكر شريك في الإثم.
ثم أوضح الله تعالى عاقبة الجميع ، فقرر أن الله تعالى جامع المنافقين والكافرين جميعا في جهنم ، يعني القاعدين والمقعود معهم ، فإنهم كما اجتمعوا على الاستهزاء بآيات الله في الدنيا ، سيجتمعون في العقاب يوم القيامة ؛ لأن من رضي بالشيء حكمه حكم المرتكب له تماما.
ثم بيّن الله تعالى بعض أحوال المنافقين : وهي أنهم ينتظرون ما يحدث للمؤمنين من خير أو شر.
فإن كان للمؤمنين نصر من الله وفتح أو غنيمة ، قالوا زاعمين : إنا كنا معكم مؤيدين ومظاهرين ، فأسهموا لنا في الغنيمة ، وشاركونا في القسمة المستحقة لنا.
وإن كان للكافرين نصيب من الظفر ، كما حصل يوم أحد ، قالوا لهم : ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم ، فأبقينا عليكم ، وكنا عونا لكم على المؤمنين نمنعهم