والخطاب في قوله : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ..) عام لجميع من أظهر الإيمان من محقّ ومنافق ؛ لأنه إذا أظهر الإيمان ، فقد لزمه أن يمتثل أوامر كتاب الله. وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود ، فيسخرون من القرآن.
ودل قوله تعالى : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) ـ أي غير الكفر ـ (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر ؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر. قال الله عزوجل : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) فكل من جلس في مجلس معصية ، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء ، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها ، فإن لم يقدر على النكير عليهم ، فينبغي أن يقوم عنهم ، حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وإذا ثبت تجنّب أصحاب المعاصي ، فتجنب أهل البدع والأهواء أولى.
٨ ـ موقف المنافقين موقف ضعيف يستدعي العجب والسخرية والطرد من الجانبين : فإنهم كانوا يطمعون في غنائم المسلمين متذرعين بأنهم مظاهرون لهم ومؤيدون جهادهم. وكذلك كانوا يطمعون في غنائم الكفار متذرعين بأنهم دافعوا عنهم وخذلوا عنهم المسلمين ، حتى هابهم المسلمون.
والآية : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ..) تدل على أن المنافقين كانوا يخرجون في الغزوات مع المسلمين ، ولهذا قالوا : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ)؟. وتدل على أنهم كانوا لا يعطونهم الغنيمة ، ولذا طالبوها وقالوا : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ)؟
ويحتمل أن يريدوا بقولهم : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) الامتنان على المسلمين ، أي كنا نعلمكم بأخبارهم ، وكنا أنصارا لكم (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٥ / ٤١٩