فنزلت آية المائدة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة ٥ / ٩٠] فتركوا الشراب كله.
ومعنى الآية : يا أيها المؤمنون لا تصلّوا حال السكر حتى تعلموا ما تقولون في الصلاة. وقد كان هذا تمهيدا لتحريم السكر تحريما باتا ، وكان نزول الآية في المرحلة الثالثة من مراحل التدرج في تشريع تحريم الخمر.
واتفق أكثر المفسرين على أن الصلاة باقية على معناها الحقيقي ، والمعنى إذا أردتم الصلاة فلا تسكروا ، ولا تصلوا وأنتم سكارى ولا وأنتم جنب إلا في حال كونكم مسافرين حتى تغتسلوا. ويكون ذكر هذا الحكم قبل قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) تشويقا إلى بيان الحكم عند فقد الماء. ويدل لهذا الرأي قوله تعالى : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) أي لا تقربوا نفس الصلاة ؛ لأن فيها قراءة من آي القرآن ودعاء وأذكارا ، وكلها تتطلب الوعي والإدراك واستكمال القوى العقلية.
وذهب الشافعي وابن عباس وابن مسعود والحسن البصري إلى أن الكلام على حذف مضاف وهو مجاز شائع ، والمراد : لا تقربوا مواضع الصلاة وهي المساجد ، بدليل تفسير (وَصَلَواتٌ) [الحج ٢٢ / ٤٠] بأنها كما قال ابن عباس كنائس اليهود ، وإلا لم يصح الاستثناء في قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) وحتى لا يكون هناك تكرار بين قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) وقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) فمن أجل ذلك حملنا لفظ الصلاة على المسجد.
وقد ترتب على هذا اختلافهم في حكم اجتياز الجنب المسجد ، فعلى الرأي الثاني : يجوز له العبور دون أن يمكث ، ويحرم عليه دخول المسجد في غير حال العبور.
وعلى الرأي الأول : لا تدل الآية على حرمة دخول الجنب المسجد ، وإنما يستدل عليها بمثل ما روت عائشة رضياللهعنها قالت : جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال : «وجهوا هذه البيوت عن