(أُحْكِمَتْ آياتُهُ) نظمت نظما محكما لا خلل فيه من جهة اللفظ والمعنى (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بينت الأحكام والقصص والمواعظ ، وبالإحكام والتفصيل يصبح القرآن كامل الصورة والمعنى. وقال الزمخشري : (ثُمَّ فُصِّلَتْ) كما تفصل القلائد (أي عقود النساء) بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص ، أو جعلت فصولا سورة سورة ، وآية آية ، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة ، أو فصل بها ما يحتاج إليه العباد ، أي بيّن ولخص (١).
وقوله : (ثُمَّ فُصِّلَتْ) ليس معناها التراخي في الوقت ، ولكن في الحال ، كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام ، ثم مفصلة أحسن التفصيل ، وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل (٢).
(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) أي من عند الله الحكيم الصنع في أقواله وأفعاله وأحكامه ، العليم بأحوال الناس والكون ، في الظاهر والباطن ، الخبير بعواقب الأمور.
(نَذِيرٌ) بالعذاب إن كفرتم أو أشركتم (وَبَشِيرٌ) بالثواب إن آمنتم أو التزمتم عقيدة التوحيد (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) من الشرك والمعاصي (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ارجعوا بالطاعة (يُمَتِّعْكُمْ) في الدنيا (مَتاعاً حَسَناً) بطيب عيش وسعة رزق. والمتاع : كل ما ينتفع به في المعيشة.
(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو الموت أو العمر المقدّر (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي يعط كل محسن ذي فضل في العمل جزاءه (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أصله : تتولوا ، فحذفت إحدى التاءين ، أي تعرضوا (عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هو يوم القيامة أو يوم الشدائد ، وقد ابتلي مشركو مكة بالقحط حتى أكلوا الجيف.
(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) رجوعكم في ذلك اليوم (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) القادر على كل شيء ، ومنه الثواب والعذاب ، وكأنه تقرير لكبر ذلك اليوم.
التفسير والبيان :
موضوع هذه الآيات تقرير أصول الدين وهي إحكام القرآن وتفصيله ، والدعوة إلى عبادة الله وتوحيده والإنابة إليه ، والإيمان بالبعث والجزاء في عالم الآخرة.
والمعنى : هذا كتاب عظيم الشأن جليل القدر ، محكم النظم والمعنى ، لا خلل
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٨٩
(٢) الكشاف : ٢ / ٩٠