مصر ، وسؤال قوافل الطعام التي كانت معهم من قوم من الكنعانيين ، وهذا يدل على أن كل من كان على حق ، وعلم أنه قد يظن به أنه على خلاف ما هو عليه أو يتوهم : أن يرفع التهمة وكل ريبة عن نفسه ، ويصرح بالحق الذي هو عليه ، حتى لا يبقى لأحد كلام ، وقد فعل هذا نبيناصلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه البخاري ومسلم ـ بقوله للرجلين اللذين مرّا ، وهو مع صفية يردّها من المسجد : «على رسلكما ، إنما هي صفية بنت حيي». فقالا : سبحان الله! وكبر عليهما ، فقال : «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا».
ثم إنهم بالغوا في التأكيد والتقرير فقالوا : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) يعني سواء نسبتنا إلى التهمة ، أو لم تنسبنا إليها ، فنحن صادقون.
٩ ـ الواجب على كل مسلم إذا أصيب بمكروه في نفسه أو ولده أو ماله أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل والرضا والتسليم ، ويقتدي بنبي الله يعقوب وسائر النبيين عليهمالسلام. قال يعقوب في واقعتي يوسف وبنيامين : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) إلا أنه قال في واقعة يوسف : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) وقال في واقعة بنيامين : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً).
١٠ ـ قول يعقوب (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) صادر عن علمه بالوحي أو بالإلهام أو بسؤال ملك الموت أن يوسف عليهالسلام لم يمت ، وإنما غاب عنه خبره. والذين تمنى إحضارهم ثلاثة : كبير أولاده ويوسف وبنيامين.
١١ ـ تجدد مصاب يعقوب وحزنه على يوسف بغياب ولدين آخرين هما أكبر أولاده وأصغرهم ، فأسف أسفا شديدا ، والأسف : شدة الحزن على ما فات ، وعمي فلم يعد يبصر بعينيه ست سنين من البكاء ، الذي كان سببه الحزن.