أما بعد ، فإنا أهل بيت بلاء ومحن ، ابتلى الله جدّي إبراهيم بنمروذ وناره ، ثم ابتلى أبي إسحاق بالذبح ، ثم ابتلاني بولد كان لي أحبّ أولادي إلي ، حتى كفّ بصري من البكاء ، وإني لم أسرق ولم ألد سارقا ، والسّلام.
فلما قرأ يوسف الكتاب ارتعدت مفاصله ، واقشعرّ جلده ، وأرخى عينيه بالبكاء ، وعيل صبره ، فباح بالسرّ.
وأعلن يوسف عن مزيد فضل الله عليه بقوله : (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) أي بالاجتماع بعد الفرقة ، وبالعز بعد الذل ، وبالنجاة والملك.
٥ ـ إن من اتقى الله بالتزام ما أمر واجتناب ما نهى ، وصبر على المصائب وعن المعاصي ، فإن الله يدخر له ثواب إحسانه العمل ، ولا يضيع منه شيئا.
٦ ـ الاعتراف بالذنب أو الخطأ سبيل الحظوة بالعفو والصفح ، فإن قول إخوة يوسف : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) أي مذنبين ، متضمن سؤال العفو ، وقد ظفروا به.
ولا مانع من العفو عن الخطأ وإن كان عمديا ، فهو تجاوز للحق ، أيا كانت صفته ، وكل من اقترف ذنبا متجاوز لمنهاج الحق ، واقع في الشبهة والمعصية.
٧ ـ شهد الله تعالى لنبيه يوسف عليهالسلام بصفات المتقين الصابرين المحسنين ، وكفى بشهادة الحق فخرا ، وهذا تعليم وتدريب ومثل عملي لنا.
٨ ـ كانت عبارة يوسف : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) مثلا رائعا في السماحة والعفو والصفح ، فهو عفو لا لوم فيه ولا تعيير ، وهو صفح في حال المقدرة على العقاب ، وهو تنازل عن أي حق دون أي حقد أو كراهية ، وأضيف إليه الدعاء بالمغفرة على الذنب والستر ، والرحمة في عالم الآخرة بين يدي أرحم الراحمين. وهو لا يكون إلا عن وحي ، فكان مرد الفضل في النهاية إلى الله تعالى.