أي لنعم دار المتقين دار الآخرة ، وهي جنات عدن أي إقامة تجري بين أشجارها وقصورها الأنهار ، ونعيمها دائم ميسر غير ممنوع : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) أي للمحسنين في الدنيا ما يتمنون ويطلبون في الجنات ، كما قال تعالى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ، وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) [الزخرف ٤٣ / ٧١] وقال سبحانه : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة ٥٦ / ٣٢ ـ ٣٣].
وهذا جزاء التقوى : (كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) أي مثل ذلك الجزاء الطيب ، يجزي الله كل من آمن به واتقاه ، وتجنب الكفر والمعاصي ، وأحسن عمله. وهذا حث على ملازمة التقوى.
ثم أخبر الله تعالى عن حال المتقين عند الاحتضار في موازاة أو مقابلة حال المشركين : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) فقال : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) أي الذين تقبض أرواحهم الملائكة طاهرين طيبين من الشرك والمعصية وكل سوء. وكلمة (طَيِّبِينَ) كما قال الرازي : كلمة مختصرة جامعة للمعاني الكثيرة ، يدخل فيها إتيانهم بكل ما أمروا به ، واجتنابهم كل ما نهوا عنه ، واتصافهم بالأخلاق الفاضلة ، والتبرؤ عن الأخلاق المذمومة ، والتوجه إلى حضرة القدس ، وعدم الانهماك في الشهوات واللذات الجسدية ، فيطيب للملائكة قبض أرواحهم. وأكثر المفسرين على أن هذا التوفي هو قبض الأرواح.
وتسلّم عليهم الملائكة وتبشرهم بالجنة عند قبض الأرواح ، كقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا : رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت ٤١ / ٣٠ ـ ٣٢].
ومضمون تحية الملائكة هو : (يَقُولُونَ : سَلامٌ عَلَيْكُمْ ، ادْخُلُوا ..) أي