بالمعارف والعلوم ، فرزقه عقلا يفهم به الأشياء ، ويميز به بين الخير والشر ، وبين النفع والضرر ، وهيأ له مفاتيح المعرفة من السمع الذي يسمع به الأصوات ويدركها ، والبصر الذي يبصر به الأشخاص والأشياء والفؤاد الذي يعي به الأمور ، كقوله تعالى في آية أخرى : (قُلْ : هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ ، قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ. قُلْ : هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ، وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الملك ٦٧ / ٢٣ ـ ٢٤].
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لتشكروا نعم الله عليكم ، باستعمال كل عضو فيما خلق من أجله ، ولتتمكنوا من عبادة ربكم ، وتطيعوه فيما أمركم.
وذلك كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضياللهعنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من عادى لي وليا ، فقد بارزني بالحرب ، وما تقرّب إلى عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها (١) ، ولئن سألني لأعطينّه ، ولئن دعاني لأجيبنّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولا بد له منه».
أي إن العبد إذا أخلص الطاعة لله ، صارت أفعاله كلها لله عزوجل ، فلا يسمع إلا لله ، ولا يبصر إلا لله ، أي لما شرعه الله له ، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عزوجل ، مستعينا بالله في ذلك كله (٢).
ثم ذكر الله تعالى دليلا آخر على كمال قدرته وحكمته فقال : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى
__________________
(١) هذا من قبيل المجاز عن عون الله وتوفيقه ورضاه.
(٢) تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٧٩