الطَّيْرِ ..) أي ألم ينظروا إلى الطير المذلل المسخر بين السماء والأرض ، كيف جعله يطير بجناحيه في جو السماء ، ما يمسكه عن الوقوع إلا الله عزوجل ، فإنه لو لا أنه تعالى خلق الطير خلقة يمكنه معها الطيران ، وخلق الهواء أو الجو خلقة يمكن معها الطيران فيه ، لما أمكن ذلك ، فإنه تعالى أعطى الطير جناحا يبسطه مرة ويضمه مرة ، كما يفعل السباح في الماء ، وأوجد له الذيل ليساعده في الهبوط ، وخلق الهواء ، وجعل ثقله حاملا الطير ، ولو لا ذلك لما كان الطيران ممكنا.
وقوله : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) معناه أن جسم الطائر ثقيل ، والجسم الثقيل لا يمكنه التحليق في الجو من غير دعامة تحته ، فكان الممسك له في الجو هو الله تعالى ، بواسطة الهواء.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي إن في خلق جناحي الطير ، وتسخير الهواء لحملة ، لدلالات على قدرة الله ووحدانيته ، لا للأصنام والأوثان ، لمن يؤمن بالله. وخص المؤمنين بالذكر ؛ لأنهم هم المنتفعون بتلك الآيات ، وإن كانت دلائل لكل العقلاء.
ونظير الآية : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ ، وَيَقْبِضْنَ ، ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [الملك ٦٧ / ١٩].
فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآيات إلى ما يأتي :
١ ـ إن علم الغيب في السموات والأرض مختص بالله تعالى ، لا يعلم به أحد ، إلا من أطلعه الله عليه. وإذا كان الله هو المحيط بالغيب فهو الذي يشرع الحلال والحرام ، لا المشركون الجاهلون ، الذين لا يدركون عواقب الأمور ، ولا يقدرون المصالح.