وجوز سفيان بن عيينة تحية الكافر وأن يبدأ بها ، قيل لابن عيينة : هل يجوز السلام على الكافر؟ قال : نعم ، قال الله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة ٦٠ / ٨] ؛ وقال : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) [الممتحنة ٦٠ / ٤] الآية ؛ وقال إبراهيم لأبيه : (سَلامٌ عَلَيْكَ) ويؤيده حديث آخر في الصحيحين عن أسامة بن زيد : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، وفيهم عبد الله بن أبيّ بن سلول. وقال الطبري : وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب ، وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه ، وقال : ولكن حق الصحبة. وكان أبو أمامة إذا انصرف إلى بيته ، لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه ؛ فقيل له في ذلك ، فقال : أمرنا أن نفشي السلام. وسئل الأوزاعي عن مسلم مرّ بكافر فسلّم عليه ، فقال : إن سلّمت فقد سلّم الصالحون قبلك ، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك.
وأما الاستغفار للكافر فقد أوضحناه في تفسير الآيات هنا ، وخلاصته : أنه ممنوع بعد الموت ، جائز في الحياة بمعنى طلب الهداية والرشاد. والدليل على أن الاستغفار للكافر لا يجوز آيتان تقدمتاهما : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة ٩ / ١١٣] و (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ..) [الممتحنة [٦٠ / ٤] أي لا تتبعوه في ذلك.
٨ ـ قال الرازي : اعلم أنه ما خسر على الله أحد ، فإن إبراهيم عليهالسلام لما اعتزل قومه في دينهم وفي بلدهم ، واختار الهجرة إلى ربه إلى حيث أمره ، لم يضره ذلك دينا ودنيا ، بل نفعه فعوضه أولادا أنبياء ، وذلك من أعظم النعم في الدنيا والآخرة. ثم إنه تعالى وهب لهم مع النبوة ما وهب من المال والجاه والأتباع والنسل الطاهر والذرية الطيبة ، ثم قال تعالى : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ