فلما بدأ بتحقيق الأمر ، وأهوى بالمدية إلى ذبح ولده ، ناداه الله بالكفّ ، وأن هذا العمل منه يكفي تصديقا للرؤيا ، ورأى إبراهيم كبشا قريبا منه ، فذبحه فدية عن ولده ، ولم تعين الآيات اسم ذلك الولد ، ولكن سياق الآيات ، وتبشير إبراهيم بإسحاق بعدها ، يدل على أن الذبيح إسماعيل ، وذلك في الآيات من سورة الصافات [٩٩ ـ ١١٣] ، وفيها : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [١٠١] ، ثم قال : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) [١٠٨] ، والضمير يعود إلى الذبيح. ثم قال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [١١٢] ، فالإتيان بالبشرى بإسحاق بعد ذكر قصة الذبيح صريح في أن إسحاق غير الغلام المأمور بذبحه ، وعود الضمير إلى الغلام الذبيح ، وذكر اسم إسحاق معه صريحا يقتضي التغاير بين الذبيح وإسحاق.
ويرى اليهود أن إسحاق هو الذبيح ليفتخروا بأن أباهم هو الذي جاد بنفسه في طاعة ربه ، وهو في حالة صغره.
والدليل على أن الذبيح إسماعيل من التوراة نفسها : أن الذبيح وصف بأنه ابن إبراهيم الوحيد ، والإقدام على ذبح الولد الوحيد هو الإسلام بعينه ، أي الطاعة والامتثال ، ولم يكن إسحاق وحيدا لإبراهيم في يوم من الأيام ؛ لأن إسحاق ولد ، ولإسماعيل أربع عشرة سنة ، كما هو صريح التوراة ، وبقي إسماعيل إلى أن مات إبراهيم ، وحضر إسماعيل وفاته ودفنه. وذبح إسحاق يناقض وعد الله لإبراهيم أن سيكون له ابن هو يعقوب. ثم إن مسألة الذبح وقعت في مكة ؛ وإسماعيل هو الذي ذهب به أبوه إليها رضيعا ، كما في حديث البخاري الآتي (١) ، وعند الزمخشري في الكشاف حديث : «أنا ابن الذبيحين» رواه الحاكم في المناقب.
__________________
(١) قصص القرآن للأستاذ عبد الوهاب النجار ١٠١ ـ ١٠٣