(وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبُّ السَّماواتِ) إما مرفوع بدل من (رَبِّكَ) اسم (كانَ) ، أو خبر مبتدأ مقدر ، أي هو ربّ السموات ، أو مبتدأ ، وخبره (فَاعْبُدْهُ) عند أبي الحسن الأخفش ؛ لأنه يجوز أن تزاد الفاء في خبر المبتدأ ، وإن لم يكن المبتدأ اسما موصولا ، أو نكرة موصوفة ، مثل : «زيد فمنطلق» والأكثرون على أن الفاء عاطفة ، لا زائدة ، أي هذا زيد فهو منطلق ، فكل واحد منهما خبر مبتدأ محذوف.
البلاغة :
(لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) بينهما طباق.
المفردات اللغوية :
(نَتَنَزَّلُ) التنزل : النزول على مهل وقتا بعد وقت ، وهو حكاية قول جبريل حين استبطأه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، ولم يدر ما يجيب ، ورجا أن يوحى إليه فيه ، فأبطأ عليه خمسة عشر يوما (إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) المعنى : وما ننزل وقتا بعد وقت إلا بأمر الله ومشيئته على ما تقتضيه حكمته. وقرئ : وما يتنزل ، والضمير للوحي (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) له ما أمامنا في الزمان المستقبل ، وما وراءنا من الزمان الماضي ، وما بينهما من الزمان الحاضر (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي ناسيا تاركا لك ، بتأخير الوحي عنك ، والمعنى : ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ، ولم يكن ذلك عن ترك الله لك ، وتوديعه إياك ، كما زعمت الكفرة ، وإنما كان لحكمة رآها فيه.
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) بيان لامتناع النسيان عليه (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) خطاب للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مرتب على ما سبق ، أي لما عرفت ربّك بأنه لا ينبغي له أن ينساك ، فأقبل على عبادته واصطبر عليها ، أي اصبر على مشاقها وشدائدها ، ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفرة. وإنما عدّي باللام (لِعِبادَتِهِ) لتضمنه معنى الثبات للعبادة ، كما تقول للمحارب : اصطبر لقرنك ، أي اثبت له في حملاته (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي مثلا ونظيرا مسمى بذلك ، أي الله؟ فإن المشركين لم يسموا الصنم الإله : (الله) قط. وإذا صح ألا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره ، لم يكن بد من التسليم لآمره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها.
سبب النزول :
أخرج أحمد والبخاري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وآله وسلّم لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ، فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).