ثم فنّد الله تعالى قوله بعدم اعتماده على دليل غيبي أو عهد من الله ، فقال : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) أي إن دعواه تلك تعتمد على أحد أمرين : إما علم الغيب وإما عهد من الله ، فهل اطلع على الغيب حتى يعلم أنه في الجنة ، أو أخذ العهد الموثق من الله بذلك؟ والعهد عند الله للرحمة : أن يدخل المؤمن الجنة إذا قال : لا إله إلا الله ، وعمل الصالحات. وقوله : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) إشارة إلى أن الحصول على علم الغيب أمر صعب شاق ؛ لأن الله لا يطلع على غيبه إلا من ارتضى من رسول.
ثم هدده تعالى بقوله :
(كَلَّا ، سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ ، وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا ، وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً كَلَّا) كلمة ردع وزجر لما قبلها ، وتأكيد لما بعدها ، ولم ترد في النصف الأول من القرآن. والإتيان بسين التسويف في قوله : (سَنَكْتُبُ) مع أنه يكتب من غير تأخير لمحض التهديد من المتوعد.
أي ليس الأمر على ما قال ، بل سنحفظ ما يقول ، فنجازيه به في الآخرة ، ونزيده عذابا فوق عذابه ، ونمده بالعذاب مدا في الدار الآخرة على قوله ذلك وكفره بالله في الدنيا ، مكان ما يطلبه من المدد بالمال والولد ، جزاء عمله ، ونميته فنرثه المال والولد الذي يقول : إنه يؤتاه ، ونسلبه إياه ، ويأتينا يوم القيامة فردا لا مال له ولا ولد مما كان معه في الدنيا ، لأنّا نسلبه منه ، فكيف يطمع أن نعطيه؟! وهذا كقوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) [الأنعام ٦ / ٩٤].
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه قصة رجل آخر هو العاص بن وائل ، وهي من أعاجيب القصص التي