وذهب الجمهور إلى أن الخضر مات ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنه على رأس مائة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» (١). وقالت فرقة : إنه حي ؛ لأنه شرب من عين الحياة ، وأنه باق في الأرض ، وأنه يحج البيت.
قيل : إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني ، قال : كن بسّاما ولا تكن ضحّاكا ، ودع اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تعب على الخطائين خطاياهم ، وابك على خطيئتك يا ابن عمران.
١٣ ـ لا تثبت الأحكام الشرعية إلا بالوحي أو برؤيا الأنبياء ، ولا يصح القول بأن الأحكام تثبت للأولياء بالإلهام في قلوبهم ، وما يغلب عليهم من خواطر ، لصفاء قلوبهم عن الأكدار ، وخلوها عن الأغيار ، وفتتجلى لهم العلوم الإلهية ، والحقائق الربانية ، فيقفون على أسرار الكائنات ، ويعلمون أحكام الجزئيات ، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات ، كما اتفق للخضر ، فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم ، عما كان عند موسى من تلك الفهوم ، واستدلوا بحديث رواه البخاري في التاريخ عن وابصة : «استفت نفسك وإن أفتاك المفتون». قال أبو العباس المالكي : وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب ؛ لأنه إنكار ما علم من الشرائع ؛ فإن الله تعالى قد أجرى سنته ، وأنفذ حكمته ، بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه ، وهم لمبلغون عنه رسالته وكلامه ، المبيّنون شرائعه وأحكامه ، اختارهم لذلك ، وخصهم بما هنالك ، كما قال تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الحج ٢٢ / ٧٥] وقال تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
__________________
(١) رواه مسلم عن عبد الله بن عمر ، قال : صلى بنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام فقال : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنت منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد».