على مثل هذا إلا الله عزوجل ، وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل ، قال تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟) هذا السؤال عن العصا سؤال تقرير ، سأله الله تعالى لموسى عليهالسلام وهو العليم به ، للتنبيه على كمال قدرة الله ، والتأمل بما يحدثه من خوارق العادات ، والتأكد من أنها هي عصاه الحقيقية التي يعرفها ، وأنها هي التي ستتحول حية تسعى ، وإلا فقد علم الله ما هي. والمعنى : أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها ، فسترى ما نصنع بها الآن؟!
فأجابه موسى بالمطلوب وزاد عليه ؛ لأنه استمتع بخطاب الله تعالى ، فقال : (قالَ : هِيَ عَصايَ) قال موسى : هي عصاي ، وبه تم المراد ، ولكن موسى عليهالسلام ذكر فائدتين لها ، وأجمل الكلام في الجملة الثالثة ، ليسأله ربه : وما هذه المآرب.
(أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها ، وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ، وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) هذه عصاي أعتمد عليها في حال المشي ، وأخبط بها الشجر وأهزه ليسقط منه الورق لتأكله الغنم ، ولي فيها مصالح ومنافع وحوائج أخرى غير ذلك ، كحمل الزاد والسقي وطرد السباع عن الغنم ، وغير ذلك ، فمنافع العصا كثيرة معروفة.
فأمره الله بإلقائها لتظهر المعجزة :
(قالَ : أَلْقِها يا مُوسى) قال تعالى لموسى عليهالسلام : ألق هذه العصا التي في يدك يا موسى.
(فَأَلْقاها ، فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) فألقاها موسى على الأرض ، فإذا هي قد صارت في الحال حية عظيمة ، ثعبانا طويلا ، يتحرك حركة سريعة ، وفي آية أخرى : فإذا هي تهتز كأنها جان ، وهو أسرع الحيات حركة ، ولكنه صغير ، قال تعالى : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ ، وَلَّى مُدْبِراً ، وَلَمْ يُعَقِّبْ) [النمل ٢٧ / ١٠] لما ظهر لها من سرعة الحركة والقوة ، لا لصغرها ، فتبين أن هذه الحية في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة. وقوله (تَسْعى) تمشي وتضطرب.