الله وعذابه. وقدم التذكر على الخشية ؛ لأن التذكر للمتحقق ، والخشية للمتوهم ، أي إن لم يتحقق صدقكما ، ولم يتذكر ، فلا أقل من أن يتوهمه ، فيخشى. (يَفْرُطَ) يعجل بالعقوبة (أَوْ أَنْ يَطْغى) علينا ، أي يتكبر ويزداد طغيانا (إِنَّنِي مَعَكُما) بالعون والحفظ والنصرة (أَسْمَعُ) ما يقول (وَأَرى) ما يفعل ، بل أسمع وأرى ما يجزي بينكما من قول أو فعل ، فأصرف شره عنكما.
(فَأْتِياهُ) قابلاه مواجهة (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أطلقهم من الأسر ، ودعهم يذهبون معنا إلى الشام (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) ولا تبقهم عندك معذبين بالتكاليف الصعبة والأشغال الشاقة كالحفر والبناء وحمل الأثقال ، وقتل الولدان ، وهذا دليل على أن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) أي بحجة على صدقنا بالرسالة. وهي جملة مقررة لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة. وإنما وحد الآية وكان معه آيتان ؛ لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها ، فالمراد : جنس الآية ، لا الإشارة إلى وحدة الحجة وتعددها.
(وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) أي السلامة من العذاب في الدارين ، لمن صدق بآيات الله الدالة على الحق (كَذَّبَ) ما جئنا به (وَتَوَلَّى) أعرض عنه. ويلاحظ أنه قدم البشارة بالسلام للترغيب وعملا بسياسة اللين المأمور بها ، ثم جاء التصريح بالوعيد والتوكيد فيه ؛ لأن العقاب مؤيد والتهديد مهم.
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى النعم الثماني على موسى في مقابل طلباته الثمانية ، ذكر هنا الأوامر والنواهي أو التوجيهات التي ينفذها هو وأخوه هارون ، كالتعليمات التي تعطى للرسل والسفراء والقناصل لدى الذهاب في مهمة إلى دولة أخرى ، للتوصل إلى نجاح المهمة ، وأداء الرسالة على أكمل وجه ، والخلاصة : أنه لما قال تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) عقبه بذكر ما لأجله اصطنعه ، وهو الإبلاغ والأداء.
التفسير والبيان :
هذه هي الأوامر والنواهي الصادرة من الله لموسى وأخيه ، فقال تعالى : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) أي اذهب يا موسى مع أخيك إلى فرعون وقومه بحججي وبراهيني ومعجزاتي التي جعلتها لك آية وعلامة على