بالملاطفة واللين ، كما قال تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل ١٦ / ١٢٥].
فأجاب موسى وهارون بقولهما :
(قالا : رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) أي قال موسى وهارون : يا ربنا ، إننا نخاف من فرعون إن دعوناه إلى التوحيد وعبادتك ، أن يعجل ويبادر بعقوبتنا ، ويشتط في أذيتنا ويعتدي علينا ، لتجبره وعتوه وقساوته.
(قالَ : لا تَخافا ، إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) أي قال الله لموسى وهارون : لا تخافا من فرعون ، فإنني معكما بالنصر والتأييد ، والحفظ والعون عليه ، وإنني سميع لما يجري بينكما وبينه ، ولست بغافل عنكما ، وأرى كل ما يقع ، فأصرف شره عنكما. والمراد أنه تعالى حثهما على التبليغ بجرأة وحكمة ، وتكفل لهما بالحفظ والمعونة والنصرة والوقاية من شر فرعون وغضبه. وتدل هذه الآية على أن كونه تعالى سميعا بصيرا صفتان زائدتان على العلم ؛ لأن قوله : (إِنَّنِي مَعَكُما) دل على العلم ، و (أَسْمَعُ وَأَرى) على السمع والبصر.
(فَأْتِياهُ فَقُولا : إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) أي فأتياه في مجلسه وقابلاه وقولا له : إن الله أرسلنا إليك. وقوله (رَبِّكَ) إشارة إلى أن الرب الحقيقي هو الله ، وأن دعواك الربوبية لنفسك لا معنى لها.
(فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) أي أطلق سراح بني إسرائيل من الأسر ، وخل عنهم ، ولا تعذبهم بتذبيح أبنائهم ، واستحياء نسائهم ، وتكليفهم مالا يطيقون من السخرة في أعمال البناء والحفر ونقل الأحجار. وإنما بدأ موسى وهارون بهذا الطلب لأنه أخف وأسهل من الدعوة المباشرة إلى الإيمان بالله تعالى.