المناسبة :
بعد ذكر الموعد وهو يوم الزينة وذكر مجيئهم صفا ، حدثت المبارزة بين السحرة وموسى ، فخيروه بين بدئه بالإلقاء ، وبدئهم به ، وكان ذلك أدبا منهم وتواضعا ، رزقوا الإيمان ببركته ، فقابلهم موسى أدبا بأدب ، وقدمهم في الإلقاء ؛ لأنه الطريق إلى إزالة الشبهة ، فما كان منهم إلا الإيمان ، لمعرفتهم بأن فعل موسى معجزة وليس سحرا ، وصمدوا على إيمانهم هازئين بتهديد فرعون بالتقطيع والصلب.
التفسير والبيان :
لما بدأت المبارزة ، والتقى الفريقان ، قالت السحرة لموسى :
(قالُوا : يا مُوسى ، إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) أي قالت السحرة لموسى حين تقابلوا معه : اختر أحد الأمرين : إما أن تلقي أنت أولا ما تريد ، وإما أن نلقي نحن ما معنا من العصي والحبال على الأرض.
وهذا التخيير مع تقديمه في الكلام أدب حسن وتواضع له ، ألهمهم الله به ، ورزقوا الإيمان ببركته ، فقابل موسى عليهالسلام أدبهم بأدب ، فقال :
(قالَ : بَلْ أَلْقُوا) قال لهم موسى : بل ألقوا أنتم أولا ، لنرى سحركم وتظهر حقيقة أمركم ، ولتكون معجزته أظهر إذا ألقوهم ما معهم ، ثم إذا ألقى عصاه فتبتلع ما ألقوه كله ، وليظهر عدم المبالاة بسحرهم.
(فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) أي فألقوا ما معهم من الحبال والعصي ، فتوهم موسى ومن رآهم من الناس أنها تتحرك بسرعة كالأفاعي. ففي بدء الكلام حذف ، أي فألقوا ، وقوله : (فَإِذا) في رأي الزمخشري أنها إذا المفاجأة ، وتعقبه الرازي فقال : والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها.