تعالى : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا ، مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) [الإسراء ١٧ / ٩٧].
(قالَ : رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً)؟ أي قال المعرض عن دين الله : يا ربّ ، لم حشرتني أعمى ، وقد كنت مبصرا في دار الدنيا؟
فأجابه الله تعالى :
(كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا ، فَنَسِيتَها ، وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) أي مثل ذلك فعلت أنت ، فكما تركت آياتنا وأعرضت عنها ولم تنظر فيها ، تترك في العمى والعذاب في النار ، ونعاملك معاملة المنسي ، كما قال تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) [الأعراف ٧ / ٥١] فإن الجزاء من جنس العمل.
قال ابن كثير : فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه ، فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص ، وإن كان متوعدا عليه من جهة أخرى ، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك. أخرج الإمام أحمد عن سعد بن عبادة رضياللهعنه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ما من رجل قرأ القرآن ، فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه ، وهو أجذم» (١).
(وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ ، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) أي وهكذا نجازي ونعاقب المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة ، ولعذاب الآخرة في النار أشد ألما من عذاب الدنيا ، وأدوم عليهم ، فهم مخلدون فيه. قال تعالى : (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ، وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) [الرعد ١٣ / ٣٤].
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ١٦٩.