ولقد أحسن الجنيد حين قال : «حسنات الأبرار سيئات المقربين» فهم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم ، وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم ، فلم يخل ذلك بمناصبهم ، ولا قدح في رتبتهم ، بل قد تلافاهم ، واجتباهم وهداهم ، ومدحهم وزكّاهم واختارهم واصطفاهم ، صلوات الله على نبينا وعليهم وسلامه (١).
٦ ـ أما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة ، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم ، فيقول : تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت ، وقد قدّر الله علي ذلك. والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه ، ولوم المسيء على إساءته ، وتعديد ذنوبه عليه(٢).
٧ ـ لقد اجتبى الله تعالى آدم وهداه بعد العصيان ، فإن وقع هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب ؛ لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم ، وإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه ، لم يضر ما سلف منهم من الذنوب.
٨ ـ أمر الله تعالى آدم وزوجه حواء بالهبوط إلى دار الدنيا ، والدنيا دار تكليف وتنافس وتزاحم ومعاداة ، وسبيل التقويم والتميز : الالتزام بهداية الله ، فمن اهتدى بهداية الرسل والكتب الإلهية فقد رشد ، ولا يضل عن الصواب ، ولا يشقى في الآخرة.
ومن أعرض عن دين الله ، وتلاوة كتابه ، والعمل بما فيه ، كان له عيش ضيق مشحون بالعذاب النفسي والجسدي والعقلي ، ويحشر يوم القيامة أعمى البصر والبصيرة ، لا يدرك طريق النجاة ، ويزج به في عذاب جهنم.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١١ / ٢٥٥.
(٢) المصدر السابق : ١١ / ٢٥٧.