توجب الاعتبار لذوي العقول الصحيحة التي تنهى أصحابها عن القبيح ، وتدرك احتمال أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك.
ونظير الآية قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج ٢٢ / ٤٦] وقوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) [السجدة ٣٢ / ٢٦].
ثم بيّن الله تعالى سبب تأخير العذاب عنهم ، فقال : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً ، وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أي ولولا الكلمة السابقة النافذة من الله في الأزل ، وهي وعد الله سبحانه بتأخير عذاب أمة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الدار الآخرة ، لكان عقاب ذنوبهم لازما لهم ، لا ينفك عنهم بحال ، ولا يتأخر ، ولولا الأجل المسمى عندنا لكان الأخذ العاجل.
لهذا قال الله لنبيه مسليا له وآمرا له بالصبر :
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها ، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) أي فاصبر أيها الرسول على ما يقول هؤلاء المكذبون بآيات الله ، من أنك ساحر كذاب ، أو مجنون ، أو شاعر ، ونحو ذلك من أباطيلهم ومطاعنهم ، لا تأبه بهم ، فإن لعذابهم وقتا معينا لا يتقدم ، واشتغل بتنزيه ربك وحمده وشكره وأداء الصلوات الخمس المفروضة قبل طلوع الشمس ، أي صلاة الفجر ، وقبل غروبها ، أي صلاة العصر والظهر ، ومن ساعات الليل أي صلاة العشاء والمغرب والتهجد أواخر الليل ، وفي أطراف النهار ، أي صلاة الفجر والمغرب تأكيدا لهاتين الصلاتين الواقعتين في طرفي النهار ، كالتأكيد على (الصلاة الوسطى) وهي العصر ، سبّحه رجاء أن