المسلمون نعتقد بهذا اعتقادا جازما ، لإثباته بنص القرآن القاطع ، وأما اليهود والنصارى فينكرون أنه تكلم في المهد. وكان نطقه إظهارا لبراءة أمه ، ثم انقطع كلامه في المهد حتى بلغ مبلغ الغلمان.
٤ ـ وصف عيسى عليهالسلام نفسه في كلامه المبين وهو طفل رضيع بصفات تسع ، جمعت بين إثبات النبوة وإنزال الإنجيل عليه في المستقبل ، وتبرئة أمه من تهمة الزنى ، وإثبات عبوديته لله عزوجل ، فهو عبد لله لا ربّ ولا إله ، كما يعتقد النصارى ، واتصافه بالبركات ومنافع الدين والدعوة إليه ، واستقامة سلوكه وأخلاقه ، فهو برّ بوالدته ، ليس متعظما متكبرا ، ولا عاصيا خائبا من الخير ، ملتزما تشريع الله في العبادة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بعد بلوغه من التكليف.
٥ ـ قوله تعالى : (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) أي جعلني برا بوالدتي يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ، لأن الآية تدل على أن كونه برا ، إنما حصل بجعل الله وخلقه.
٦ ـ قال مالك بن أنس رحمهالله تعالى في هذه الآية : ما أشدها على أهل القدر (١)! أخبر عيسى عليهالسلام بما قضي من أمره ، وبما هو كائن إلى أن يموت.
٧ ـ الإشارة بمنزلة الكلام وتدل على ما يدل عليه ويحدث بها الإفهام والفهم ، كيف لا ، وقد أخبر الله تعالى عن مريم ، فقال : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) وفهم منها القوم مقصودها وغرضها فقالوا : (كَيْفَ نُكَلِّمُ). وقد تكون الإشارة في كثير من أبواب الفقه أقوى من الكلام ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام : فيما رواه أحمد والشيخان والترمذي عن أنس «بعثت أنا والساعة كهاتين». وإجماع العقلاء على أن العيان أقوى من الخبر ، دليل على أن الإشارة
__________________
(١) هم القدرية الذين يقولون : إن العبد يخلق أفعال نفسه ، والمعاصي لا يريدها الله تعالى.