وبالرغم من وضوح أمر عيسى وأنه عبد الله ورسوله ، اختلفوا فيه ، كما قال تعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله وأنه عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فاليهود قالوا : إنه ولد زنى ، وإنه ساحر ، وكلامه هذا سحر ، وإنه ابن يوسف النجار ، واختلفت فرق النصارى فيه ، فقالت النسطورية منهم : هو ابن الله ، وقالت الملكية : هو ثالث ثلاثة ، وقالت اليعقوبية (١) : هو الله تعالى.
فعذاب شديد لهؤلاء الكافرين المختلفين في أمره ، من شهود يوم القيامة ، وما فيه من الحساب والعقاب ، حيث يشهدون حينئذ ذلك اليوم العظيم الهول.
وهذا تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله ، وافترى وزعم أن له ولدا ، ولكن الله تعالى أنظرهم إلى يوم القيامة ، وأجّلهم حلما وثقة بقدرته عليهم ، فإنه الذي لا يعجل على من عصاه ، كما جاء في الصحيحين : «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى ، وَهِيَ ظالِمَةٌ ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود ١١ / ١٠٢].
وفي الصحيحين أيضا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم» وقد قال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها ، وَهِيَ ظالِمَةٌ ، ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحج ٢٢ / ٤٨] وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) [إبراهيم ١٤ / ٤٢].
__________________
(١) النسطورية : نسبة إلى عالم يسمى نسطور ، والملكية أو الملكانية : نسبة إلى الملك قسطنطين الفيلسوف العالم ، واليعقوبية : نسبة إلى عالم يسمى يعقوب.