(وَيا قَوْمِ ، ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ ..) أي إلى الإيمان بالله الذي يؤدي إلى النجاة ، وقد كرر نداءهم إيقاظا لهم من الغفلة ، واهتماما بهم ، ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه من إدبار وإعراض. (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) إلى الكفر وعبادة الأوثان الموجبة لدخول النار. (وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أشرك بما لا وجود له ، ولم يقم على ربوبيته دليل ولا برهان. وفيه إيماء بأن الألوهية لا بدّ لها من برهان واعتقاد بيقين.
(لا جَرَمَ) أي حق ، وفاعله : (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ..) لأعبده (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) ليس له إجابة دعوة لمن يدعو إليه ، والمعنى : حقّ عدم استحقاق آلهتكم العبادة ، لأنها جمادات ، ولأنّها ليس لها دعوة مستجابة. (مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) مرجعنا بالموت إلى لقاء الله. (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) المتجاوزين الحدّ ، الذين يغلب شرهم على خيرهم ، الواقعين في الضلالة والطغيان ، كالإشراك والكفر وسفك الدماء. (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) ملازموها.
(فَسَتَذْكُرُونَ) تتذكرون عند معاينة العذاب. (ما أَقُولُ لَكُمْ) من النصيحة. (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ليعصمني من كل سوء. (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) فيحرسهم. وكان هذا جواب توعدهم المفهوم من قوله تعالى : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) حماه الله وحفظه من شدائد مكرهم الذي مكروا به من القتل. (وَحاقَ) نزل. (بِآلِ فِرْعَوْنَ) بفرعون وقومه. (سُوءُ الْعَذابِ) بالغرق في الدنيا والموت ، والنار في الآخرة.
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) مثل يصلونها ، أي يحرقون بها ، فإن عرضهم على النار : إحراقهم بها ، مأخوذ من قولهم : عرض الحاكم الأسارى على السيف : إذا قتلهم به. (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) صباحا ومساء ، وذكر هذين الوقتين يفيد التأبيد والدوام ما دامت الدنيا ، فإذا قامت القيامة قيل لهم : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) عذاب جهنم ، فإنه أشدّ مما كانوا فيه ، أو أشدّ عذاب جهنم. والمعنى : أن أرواح الكفار وهم في القبور تعرض على النار صباح مساء ، أي تحرق بها ، مما يدلّ على بقاء النفس ، وثبوت عذاب القبر ، كما روى ابن مسعود رضياللهعنه : «أن أرواحهم في أجواف طير سود ، تعرض على النار ، بكرة وعشيا إلى يوم القيامة» وقد يراد بهذين الوقتين التخصيص ، فيعذبون بالنار فيهما ، وفيما بين ذلك الله أعلم بحالهم : فإما أن يعذبوا بجنس آخر من العذاب ، أو ينفّس عنهم.
المناسبة :
هذا بقية كلام مؤمن آل فرعون ، فإنه أعاد عليهم النصح مرة أخرى حينما رآهم يتمادون في كفرهم وبغيهم ، ونادى قومه ثلاث مرات ، في المرة الأولى دعاهم