ثم أبان تعالى طريق تقسيم العباد وكيفية المجازاة في الآخرة ، مشيرا إلى أن جانب الرحمة غالب على جانب العقاب ، فقال :
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها ، وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) ، أي من ارتكب معصية من المعاصي ، فلا يجزى في الآخرة إلا مثلها ، عدلا من الله ، ومن عمل العمل الصالح وهو اتباع أمر الله واجتناب نهي الله ، وكان مصدقا بالله وبرسله ، فهؤلاء هم لا غيرهم أهل الجنة التي يتمتعون بنعيمها ورزقها أضعافا مضاعفة ، بغير تقدير ولا تساو مع العمل ، فضلا من الله ونعمة ورحمة.
وهذا دليل على أن جزاء السيئة مقصور على المثل ، وجزاء الحسنة خارج عن الحساب ، غير مقصور على المثل. والآية أيضا أصل كبير في أحكام الشريعة فيما يتعلق بأحكام الجنايات ، فإن مقتضى الآية أن يكون المثل مشروعا ، وأن الزائد عن المثل غير مشروع ، أي إن الواجب في الجنايات على الأنفس والأموال هو إما المثل في المثليات كالحبوب ، وإما القيمة في القيميات كالأمتعة والأثاث واللآلئ والجواهر.
ثم أكّد وكرر الرجل المؤمن دعوته إلى الله ، وصرّح بإيمانه بالله وحده لا شريك له ، فقال :
(وَيا قَوْمِ ، ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ ، وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) أي ما لكم يا قوم؟ أخبروني عنكم ، ما بالي أدعوكم إلى النجاة من النار ودخول الجنة ، بالإيمان بالله تعالى ، وعبادة الله وحده لا شريك له ، وتصديق رسوله المبعوث إليكم من عند ربكم ، وتدعونني إلى عمل أهل النار ، بما تريدون مني من الشرك وعبادة الأصنام؟
ثم فسّر الدعوتين قائلا :