المناسبة :
بعد الإطناب في وعيد المكذبين المجادلين في آيات الله ، بما فيه العبرة والكفاية ، عاد الحق تعالى إلى إيراد دلائل أخرى تدل على وجود الله ووحدانيته ، ويصلح تعدادها نعما على العباد ، ثم أجمل في الإحالة على أدلة كثيرة تحيط بالناس.
التفسير والبيان :
يمتن الله تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام ذات المنافع الكثيرة والدالة على قدرة الله فقال :
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي إن الله تعالى هو الذي خلق لأجلكم الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم الشامل للمعز ، لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها ، فالإبل : تركب وتؤكل وتحلب ويحمل عليها الأثقال في الأسفار ، والبقر : تؤكل ويشرب لبنها ، ويحرث عليها الأرض ، والغنم تؤكل ويشرب لبنها ، والجميع تتناسل وتجز أصوافها وأشعارها وأوبارها ، فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة ، لذا قال تعالى :
(وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ ، وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ، وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أي ولكم فيها منافع أخر غير الركوب والأكل ، كأخذ الوبر والصوف والشعر والزبد والسمن والجبن وغير ذلك مما يستعمل للثياب والأمتعة والمأكولات ، ولتحمل أثقالكم إلى البلاد النائية بيسر وسهولة ، وعلى الإبل في البر ، وعلى السفن في البحر تحملون وتنقلون من بلد إلى آخر ، ومن موضع إلى آخر ، وقد قيل : «الجمل سفينة الصحراء». ويلاحظ أنه تعالى قرن بين الامتنان بنعمة الركوب في البر ، ونعمة الامتنان بركوب البحر.