والبيان لقوله تعالى : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) كقولك : رزق زيد المال ، فمنع المعروف ، فلم يحسن إلى الفقراء. وقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) تابع لقوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ) كأنه قال : فكفروا ، فلما رأوا بأسنا آمنوا ، لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل. وكذلك (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ) تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله ، وامتناع نفع الإيمان مسبب عن رؤية البأس (١).
المناسبة :
اشتملت السورة على فصلين : فصل في دلائل الألوهية وكمال القدرة والرحمة والحكمة ، وفصل في التهديد والوعيد ، وهذه الآيات التي ختمت بها السورة متعلقة بالفصل الثاني في تهديد الكفار الذين يجادلون في آيات الله ، المتكبرين على رسله المكذبين لهم ، اغترارا منهم بدنياهم وأموالهم وأولادهم ، وطلبا للرياسة والجاه ، وهو تهديد يبين نهاية من هم أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا ، فلم ينفعهم شيء من ذلك حين حلول بأس الله ، بل إن إيمانهم بالله وتركهم الشرك حين رؤية البأس لم ينفعهم أيضا.
التفسير والبيان :
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ، وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي أفلم يسر في البلاد هؤلاء المجادلون في آيات الله من المشركين ، فينظروا في أسفارهم كيف كان مصير الأمم السابقة التي عصت الله ، وكذبت رسلها ، ويشاهدوا آثارهم الموجودة في ديارهم التي تدل على ما نزل بهم من عقوبة وعذاب شديد ، مع أنهم كانوا أكثر من مشركي قريش عددا ، وأقوى منهم أجسادا ، وأوسع منهم أموالا ، وأبقى في الأرض آثارا بالعمائر والمصانع والحصون والمزارع والسدود ، ونحو ذلك من مظاهر الحضارة والعمران والفن والعلوم.
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ٦٢