فلما حل بهم العذاب لم يغن عنهم كل ما عملوه في دنياهم من مكاسب وجاه ، ولم ينفعهم ما لهم ولا أولادهم ، ولا رد عنهم أمر الله ، أو نزول العذاب الشديد بهم ، ولا أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم.
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي فلما جاءت الرسل بالحجج الواضحات والمعجزات الظاهرات إلى تلك الأمم المكذبة ، لم يلتفتوا إليهم ، ولا أقبلوا عليهم ، واستغنوا بما عندهم من العلم ، أي الشبهات الداحضة والدعاوي الزائغة التي ظنوها علما نافعا لهم ، مثل قولهم : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية ٤٥ / ٢٤] وقولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام ٦ / ١٤٨] وقولهم : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس ٣٦ / ٧٨] وفرحوا بهذه الترهات والأباطيل ، لأنهم كما قال تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الروم ٣٠ / ٧].
ولكن نزل وأحاط بهم ما كانوا يكذبون به ويستبعدون وقوعه وهو العذاب ، استهزاء وسخرية ، أي نزل بالكفار عقاب استهزائهم برسالات الرسل.
وقد سمى الله تعالى ما عندهم من العقائد الزائفة والشبه الداحضة «علما» تهكما بهم واستهزاء منهم ، كما تقدم.
ثم صوّر تعالى ما يكون من شأن الإنسان حين تطبيق العقاب عليه ، فقال :
(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ، قالُوا : آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ ، وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) أي فلما عاينوا وقوع العذاب بهم ، صدقوا بالله ووحدوه ، وكفروا بمعبوداتهم الباطلة التي اتخذوها شركاء لله ، وهي الأصنام التي كانوا يعبدونها ، ولكن لم ينفعهم ذلك الإيمان ، ولم تنفعهم المعذرة ، كما قال تعالى :
(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أي لم يصح ولم يستقم أن إيمانهم ينفعهم عند معاينة عذابنا ، لأن ذلك الإيمان ليس بالإيمان النافع لصاحبه ، فهو