(بَشِيراً وَنَذِيراً ، فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ ، فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي إن هذا القرآن يبشّر المؤمنين أولياء الله بالجنة لاتّباعهم له وعملهم به ، وينذر الكافرين أعداء الله بالنار لمخالفتهم أحكامه ، وإصرارهم على التكذيب به حتى الموت ، ولكن أعرض أكثر الكفار المشركين عمّا اشتمل عليه من الإنذار ، وعن الإصغاء إليه ، فهم لا يسمعون آياته سماع تدبّر وانتفاع ، ولم يقبلوه ولم يطيعوا أحكامه ، لإعراضهم عنه ، بالرغم من بيانه ووضوحه.
ثم صرّحوا بأسباب ثلاثة لنفرتهم ومباعدتهم عنه ، كما حكى تعالى :
(وَقالُوا : قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) أي وقال أولئك المشركون : قلوبنا في أغطية ، فهي لا تفقه ما تقول ، ولا يصل إليها قولك ودعوتك إلى الإيمان بالله وحده ، وترك عبادة الآباء والأجداد ، وفي آذاننا صمم وثقل سمع يمنعها من استماع قولك ، ومن بيننا وبينك ساتر يستر عنا رؤيتك ، ويمنعنا من إجابتك.
وهذه تمثيلات ثلاثة منهم لنبو قلوبهم عن إدراك الحق ، ومجّ أسماعهم له ، وامتناع المواصلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قيل : إن أبا جهل استغشى على رأسه ثوبا وقال : يا محمد بيننا وبينك حجاب ، استهزاء منه.
فاعمل على دينك وطريقتك ، إننا عاملون على ديننا وطريقتنا ، لا نتابعك ، واعمل في هلاكنا وإبطال أمرنا ، فإنا عاملون في هلاكك وإبطال أمرك وفضّ الناس من حولك.
وأذكر هنا رواية أخرى لما ذكرت في فضل هذه السورة ، روي أن عتبة بن ربيعة ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعظم عليه أمر مخالفته لقومه ، وليقبح عليه فيما بينه وبينه ، وليبعد ما جاء به ، فلما تكلّم عتبة ، قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حم ومرّ في صدرها حتى انتهى إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ : أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ