وبعد أن أمر الله تعالى بالسجود له ، قال بعده :
(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) أي فإن تكبر هؤلاء المشركون عبدة الكواكب عن الامتثال وإفراد العبادة لله ، وأبوا إلا أن يشركوا معه غيره ، فلا يهم أمرهم ، فالملائكة عند ربك الذين هم خير منهم ـ عندية مكان لا قرب مكان ـ لا يستكبرون عن عبادته تعالى ، بل يواظبون على تسبيح الله سبحانه بالليل والنهار ، وهم لا يملون ولا يفترون ، كقوله عزوجل : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ ، فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) [الأنعام ٦ / ٨٩]. وهذه الآية : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا ..) تدل على أن الملائكة أفضل من البشر.
وبعد ذكر الدلائل الفلكية ، ذكر تعالى الدلائل الأرضية ، فقال :
(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً ، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى ، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي ومن دلائل قدرته تعالى على البعث وإعادة الموتى أحياء أنك ترى الأرض هامدة لا نبات فيها ، بل هي ميتة ، فإذا أنزل الله عليها المطر تحركت بالنبات ، وانتفخت وعلت ، وأخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار.
إن الذي أحيا هذه الأرض الجدبة بالنبات والزرع ، قادر على أن يحيي الأموات ، فإنه الرب القدير الذي لا يعجزه شيء كائنا ما كان.
وقوله تعالى : (أَنَّكَ تَرَى) الخطاب لكل عاقل.
وهذا دليل حسي متكرر في القرآن يقرب للأذهان صورة الإحياء بعد الإماتة ، والمعول عليه هو قدرة الله الخالق ابتداء وانتهاء وكل وقت.