وقد جاء ذمّ الدنيا والحرص عليها والتمسك بزينتها وإهمال الآخرة في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ، وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ ، وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ..) الآية [الحديد ٥٧ / ٢٠].
ثم أعاد الله تعالى الوعد بالثواب وتأكيده والترغيب في الآخرة قائلا :
(وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) أي إن تؤمنوا بالله ورسوله حق الإيمان ، وتتقوا ربّكم حق التقوى بأداء فرائضه واجتناب نواهيه ، يؤتكم ثواب أعمالكم وطاعاتكم في الآخرة ، ولا يأمركم بإخراج جميع أموالكم في الزكاة وسائر وجوه الطاعات ، بل أمركم بإخراج القليل منها ، والمعنى : أن الله غني عنكم ، لا يطلب منكم شيئا ، وإنما فرض عليكم صدقات الأموال ، مواساة لإخوانكم الفقراء ، ليعود نفع ذلك عليكم ، ويرجع ثوابه إليكم.
ثم بيّن الله تعالى سبب الحرض على الدنيا ، فقال :
(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أي إن يطلب ربكم أموالكم كلها ، فيجهدكم ويلح في الطلب عليكم ، تشحوا وتبخلوا ، وتمتنعوا من الامتثال ، ويظهر عندئذ أحقادكم.
قال قتادة : قد علم الله تعالى أن في إخراج الأموال إخراج الأضغان. وهذا كما ذكر ابن كثير حق وصدق ، فإن المال محبوب إلى النفس ، ولا يصرف إلا فيما. هو أحب إلى الشخص منه.
ثم أبان تعالى ما سلف وأكده بقوله :
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي أنتم أيها المؤمنون المخاطبون مدعوون للإنفاق في سبيل الله ، أي في الجهاد والزكاة وفي طريق الخير.