لأنها تشغل عن غيرها (وَتَتَّقُوا) الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) يعطكم ثواب الإيمان والتقوى (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) لا يطلب جميع أموالكم ، بل يقتصر على الزكاة المفروضة التي هي جزء يسير ، كربع العشر ، والعشر.
(فَيُحْفِكُمْ) يبالغ في الطلب ، من الإحفاء والإلحاف : بلوغ الغاية في كل شيء ، يقال : ألحف بالمسألة وأحفى وألح بمعنى واحد ، (وَيُخْرِجْ) البخل (أَضْغانَكُمْ) أحقادكم أي عداوتكم لدين الإسلام (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أي أنتم يا مخاطبون ، هؤلاء الموصوفون. (لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ما فرض عليكم من الزكاة ونفقة الجهاد وغيرها (يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) يقال : بخل عليه وعنه (وَاللهُ الْغَنِيُ) عن نفقتكم (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إلى الله (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) تعرضوا عن طاعته (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) يقم مقامكم قوما آخرين أو يجعل بدلكم (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) في التولي عن طاعته وعن الإيمان ، بل مطيعين له تعالى.
المناسبة :
بعد أن أمر الله تعالى بالجهاد ، ونهى عن الضعف والخور في مواصلة الكفاح وطلب الموادعة والمصالحة مع الأعداء ، حث على الجهاد بالنفس والمال والإنفاق في سبيل الله ، بتحقير الدنيا في أعين المؤمنين ، والترغيب في الإيمان والتقوى ، لتعود فائدتها عليهم ، وهدد تعالى في ختام السورة بأنه إن أعرضتم عن الإيمان والجهاد والتقوى ، يجعل بدلا عنكم قوما آخرين هم أفضل منكم لإقامة دينه ، ونصرة دعوته.
التفسير والبيان :
(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) أي احرصوا أيها المؤمنون على جهاد الأعداء ، واسترخصوا الحياة الدنيوية واطلبوا الآخرة ، فإنما حاصل الدنيا لعب ولهو ، أي باطل وغرور ، لا ثبات له ولا اعتداد به إلا ما كان منها لله عزوجل ، بسلوك سبيله وطلب رضاه وعبادته وطاعته. وفي هذا تحقير لأمر الدنيا وتهوين لشأنها. واللعب : كل ما لا ضرورة فيه في الحال ولا منفعة في المآل ، ولم يشغل عن غيره ، فإن شغل عن غيره فهو لهو ، ومنه آلات الملاهي ، لأنها مشغلة عن غيرها.