(عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَعَنَهُمْ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) أي أن ما يظنونه بالمؤمنين دائر عليهم لا خروج لهم منه ، واقع بهم من قتل وأسر ونحوهما ، وسخط الله عليهم ، وأعدّ لهم جهنم يصلونها ، وساءت مرجعا ومنزلا يصيرون إليه ، وبذلك جمع بين جزائهم وحالهم في الدنيا وفي العقبى.
ثم قال تعالى مؤكدا لقدرته على الانتقام من أعداء الإسلام من الكفرة والمنافقين :
(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي لله في السموات والأرض جنود لا حصر لها من الملائكة والإنس والجنّ والشياطين وغيرها من كل ما فيه قوة ومقدرة على قهر أعدائه ، وكان الله وما يزال قويا لا يغلب ، ولا يردّ بأسه ، حكيما في صنعه وتدبيره لخلقه.
وفائدة إعادة هذه الآية بيان أن لله جنود الرحمة وجنود العذاب ، فذكرهم أولا لبيان الرحمة بالمؤمنين ، فقال تعالى : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) ثم ذكرهم ثانيا لبيان إنزال العذاب بالكافرين. وعبّر أولا بقوله : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) ليتناسب مع إنزال الرحمة ، ثم عبّر بقوله : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) للإشارة إلى شدة العذاب ، وذكر العزّة يتناسب مع العقاب والتهديد ، وذكر العلم يتلاءم مع التدبير التام لأمر الخلق وتوزيع الرحمة ، وأن إنزال السكينة وزيادة الإيمان وترتيب الفتح على ذلك ، كله ثابت في علم الله ، منسجم مع الحكمة. وذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة ، لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة ، فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ، ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله : (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) وذكر الجنود بعد تعذيب الكفار ، وإعداد جهنم للدلالة على كون الغضب على الكفار والإبعاد والطرد من الرحمة أولا ، فيدخلون جهنم ، ثم يسلّط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله تعالى.