المناسبة :
بعد بيان حال المنافقين ، بيّن الله تعالى حال المتخلفين ، وهم قوم من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لظنهم أنه يهزم ، وقد ذكر تعالى أحوالا ثلاثا لهم : هي الاعتذار عن التخلف عن الحديبية بانشغالهم في الأموال والأهل ، وطلب المشاركة في وقعة خيبر وغنائمها ، ودعوتهم إلى قتال قوم أولي بأس شديد ، ثم استثنى تعالى أصحاب الأعذار لترك الجهاد.
التفسير والبيان :
الاعتذار عن التخلف : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ : شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا ، فَاسْتَغْفِرْ لَنا) أخبر تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم أثناء عودته من الحديبية بما يعتذر به المخلفون الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم ، وتركوا السير مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين خرج إلى مكة معتمرا عام الحديبية ، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة وهم أسلم وجهينة ومزينة وغفار وأشجع والدّيل ، وإنما قال : (الْمُخَلَّفُونَ) لأن الله خلّفهم عن صحبة نبيه صلىاللهعليهوسلم. والمخلّف : المتروك. والآية من إعجاز القرآن ، لإخباره عن الغيب ، وقد وقع الأمر مطابقا لخبر القرآن.
ولقد اعتذروا بشغلهم بالأموال والأهل ، وسألوا أن يستغفر لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ليغفر الله لهم ما وقع منهم من التخلف عنه بسبب الانشغال ، لا بسبب العصيان ومخالفة الأمر. وذلك في الحقيقة قول منهم ، لا على سبيل الاعتقاد ، بل على وجه التقية والمصانعة ، لذا رد الله عليهم وكذّبهم بقوله :
(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي إنهم ليسوا صادقين في الاعتذار ، فهم يتصنعون ذلك بظواهر ألسنتهم ، أما في أعماق قلوبهم فهم يعتقدون أن محمدا صلىاللهعليهوسلم وصحبه سينهزمون ، ويخافون من مقاتلة قريش وثقيف